فصل: فَصْلٌ فِي رُجُوعِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تَبُوكَ وَمَا هَمّ الْمُنَافِقُونَ بِهِ مِنْ الْكَيْدِ بِهِ وَعِصْمَةُ اللّهِ إيّاهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.قِصّةُ رَهْطٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ:

رَجَعْنَا إلَى قِصّةِ تَبُوكَ وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ حَلِيفٌ لِبَنِي سَلَمَةَ يُقَالُ لَهُ مَخْشِيّ بْنُ حُمَيّرٍ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَتَحْسَبُونَ جَلّادَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ؟ وَاَللّهِ لَكَأَنّا بِكُمْ غَدًا مُقَرّنِينَ فِي الْحِبَالِ إرْجَافًا وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ مَخْشِيّ بْنُ حُمَيّرٍ: وَاَللّهِ لَوَدِدْت أَنّي أُقَاضَى عَلَى أَنْ يُضْرَبَ كُلّ مِنّا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَإِنّا نَنْفَلِتُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ لِمَقَالَتِكُمْ هَذِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَدْرِكْ الْقَوْمَ فَإِنّهُمْ قَدْ احْتَرَقُوا فَسَلْهُمْ عَمّا قَالُوا؟ فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ بَلْ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا فَانْطَلَقَ إلَيْهِمْ عَمّارٌ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ: كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التّوْبَةُ 65] فَقَالَ مَخْشِيّ بْنُ حُمَيّرٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَعَدَ بِي اسْمِي وَاسْمُ أَبِي فَكَانَ الّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَتَسَمّى عَبْدَ الرّحْمَنِ وَسَأَلَ اللّهَ أَنْ يُقْتَلَ شَهِيدًا لَا يُعْلَمُ بِمَكَانِهِ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَائِذٍ فِي مَغَازِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَزَلَ تَبُوكَ فِي زَمَانٍ قَلّ مَاؤُهَا فِيهِ فَاغْتَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَرْفَةً بِيَدِهِ مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ بِهَا فَاهُ ثُمّ بَصَقَهُ فِيهَا فَفَارَتْ عَيْنُهَا حَتّى امْتَلَأَتْ فَهِيَ كَذَلِكَ حَتّى السّاعَةَ.

.نَهْيُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ مَسّ عَيْنِ تَبُوكَ حَتّى يَأْتِيَ:

قُلْت: فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنّهُ قَالَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهَا: إنّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتّى يُضْحِيَ النّهَارُ فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسّن مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتّى آتِيَ قَالَ فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَ إلَيْهَا رَجُلَانِ وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشّرَاكِ تَبِضّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ قَالَا: نَعَمْ فَسَبّهُمَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمّ غَرَفُوا مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ وَغَسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتْ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ حَتّى اسْتَقَى النّاسُ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تُرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا.

.فصل الصّلْحُ مَعَ صَاحِبِ أَيْلَةَ:

وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى تَبُوكَ أَتَاهُ صَاحِبُ أَيْلَةَ فَصَالَحَهُ وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ وَأَتَاهُ أَهْلُ جَرْبَا وَأَذْرُحَ فَأَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ وَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُمْ وَكَتَبَ لِصَاحِبِ أَيْلَةَ: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا أَمَنَةٌ مِنْ اللّهِ وَمُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللّهِ لِيُحَنّةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ سُفُنِهِمْ وَسَيّارَتِهِمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ لَهُمْ ذِمّةُ اللّهِ وَمُحَمّدٌ النّبِيّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشّامِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ وَأَهْلِ الْبَحْرِ فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا فَإِنّهُ لَا يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ وَإِنّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ النّاسِ وَإِنّهُ لَا يَحِلّ أَنْ يَمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ وَلَا طَرِيقًا يَرِدُونَهُ مِنْ بَحْرٍ أَوْ بَرّ.

.فَصْلٌ فِي بَعْثِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى أُكَيْدِرِ دُومَةَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى أُكَيْدِرِ دُومَةَ وَهُوَ أُكَيْدِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيّا وَكَانَ مَلِكًا عَلَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِخَالِدٍ إنّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتّى إذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ وَفِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ صَافِيَةٍ وَهُوَ عَلَى سَطْحٍ لَهُ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ فَبَاتَتْ الْبَقَرُ تَحُكّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْقَصْرِ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ هَذَا قَطّ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ. قَالَتْ فَمَنْ يَتْرُكُ هَذِهِ؟ قَالَ لَا أَحَدَ فَنَزَلَ فَأَمَرَ بِفَرَسِهِ فَأُسْرِجَ لَهُ وَرَكِبَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِيهِمْ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ حَسّانُ فَرَكِبَ وَخَرَجُوا مَعَهُ بِمَطَارِدِهِمْ فَلَمّا خَرَجُوا تَلَقّتْهُمْ خَيْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَتْهُ وَقَتَلُوا أَخَاهُ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ مُخَوّصٍ بِالذّهَبِ فَاسْتَلَبَهُ خَالِدٌ فَبَعَثَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ قُدُومِهِ عَلَيْهِ ثُمّ إنّ خَالِدًا قَدِمَ بِأُكَيْدِرٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَقَنَ لَهُ دَمَهُ وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ فَرَجَعَ إلَى قَرْيَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدًا فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَارِسًا فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدّمَ. قَالَ وَأَجَارَ خَالِدٌ أُكَيْدِرًا مِنْ الْقَتْلِ حَتّى يَأْتِيَ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ دُومَةَ الْجَنْدَلِ فَفَعَلَ وَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفَيْ بَعِيرٍ وَثَمَانِمِائَةِ رَأْسٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ دِرْعٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ رُمْحٍ فَعَزَلَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةُ خَالِصًا ثُمّ قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فَأَخْرَجَ الْخُمُسَ فَكَانَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَسَمَ مَا بَقِيَ فِي أَصْحَابِهِ فَصَارَ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خُمُسُ فَرَائِضَ. وَذَكَرَ ابْنُ عَائِذٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنّ أُكَيْدِرًا قَالَ عَنْ الْبَقَرِ وَاَللّهِ مَا رَأَيْتهَا قَطّ أَتَتْنَا إلّا الْبَارِحَةَ وَلَقَدْ كُنْتُ أُضْمِرُ لَهَا الْيَوْمَيْنِ وَالثّلَاثَةَ وَلَكِنْ قَدّرَ اللّهُ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَاجْتَمَعَ أُكَيْدِرٌ وَيُحَنّةُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَيَا وَأَقَرّا بِالْجِزْيَةِ فَقَاضَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَضِيّةِ دَوْمَةَ وَعَلَى تَبُوكَ وَعَلَى أَيْلَةَ وَعَلَى تَيْمَاءَ وَكَتَبَ لَهُمَا كِتَابًا.

.الرّجُوعُ مِنْ تَبُوكَ:

رَجَعْنَا إلَى قِصّةِ تَبُوكَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتَبُوكَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَمْ يُجَاوِزْهَا ثُمّ انْصَرَفَ قَافِلًا إلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ فِي الطّرِيقِ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ وَشَلٍ يُرْوِي الرّاكِبَ وَالرّاكِبَيْنِ وَالثّلَاثَةَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ وَادِي الْمُشَقّقِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ سَبَقَنَا إلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَلَا يَسْتَقِيَنّ مِنْهُ شَيْئًا حَتّى نَأْتِيَهُ قَالَ فَسَبَقَهُ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَاسْتَقَوْا فَلَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا فَقَالَ مَنْ سَبَقَنَا إلَى هَذَا الْمَاءِ؟ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ. فَقَالَ أَوَلَمْ أَنْهَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْهُ شَيْئًا حَتّى آتِيَهُ ثُمّ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَا عَلَيْهِمْ ثُمّ نَزَلَ فَوَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ الْوَشَلِ فَجَعَلَ يَصُبّ فِي يَدِهِ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَصُبّ ثُمّ نَضَحَهُ بِهِ وَمَسَحَهُ بِيَدِهِ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ فَانْخَرَقَ مِنْ الْمَاءِ- كَمَا يَقُولُ مِنْ سَمْعِهِ- مَا إنّ لَهُ حِسّا كَحِسّ الصّوَاعِقِ فَشَرِبَ النّاسُ وَاسْتَقَوْا حَاجَتَهُمْ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَئِنْ بَقِيتُمْ أَوْ مَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ لَيَسْمَعَنّ بِهَذَا الْوَادِي وَهُوَ أَخْصَبُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَا خَلْفَهُ قُلْت: ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُمْ إنّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتّى يُضْحِيَ النّهَارُ فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا الْحَدِيثُ وَقَدْ تَقَدّمَ.
فَإِنْ كَانَتْ الْقِصّةُ وَاحِدَةً فَالْمَحْفُوظُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَتْ قِصّتَيْنِ فَهُوَ مُمْكِنٌ.

.قِصّةُ ذِي الْبِجَادَيْنِ:

قَالَ وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدّثُ قَالَ قُمْت مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَرَأَيْت شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَاتّبَعْتُهَا أَنْظُرُ إلَيْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَإِذَا عَبْدُ اللّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ الْمُزَنِيّ قَدْ مَاتَ وَإِذَا هُمْ قَدْ حَفَرُوا لَهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُدْلِيَانِهِ إلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ أَدْنِيَا إلَيّ أَخَاكُمَا فَدَلّيَاهُ إلَيْهِ فَلَمّا هَيّأَهُ لِشِقّهِ قَالَ اللّهُمّ إنّي قَدْ أَمْسَيْتُ رَاضِيًا عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ قَالَ يَقُولُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ.

.ثَوَابُ مَنْ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ:

وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ: إنّ بِالْمَدِينَةِ لَأَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ نَعَمْ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ.

.فَصْلٌ فِي خُطْبَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتَبُوكَ وَصَلَاتِهِ:

ذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ فِي الدّلَائِلِ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَاسْتَرْقَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْلَةً لَمّا كَانَ مِنْهَا عَلَى لَيْلَةٍ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ فِيهَا حَتّى كَانَتْ الشّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا بِلَالُ أكلأ لَنَا الْفَجْرَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ ذَهَبَ بِي مِنْ النّوْمِ الّذِي ذَهَبَ بِك فَانْتَقَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمّ صَلّى ثُمّ ذَهَبَ بَقِيّةَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ بِتَبُوكَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ فَإِنّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ وَأَوْثَقَ الْعُرَى كَلِمَةُ التّقْوَى وَخَيْرَ الْمِلَلِ مِلّةُ إبْرَاهِيمَ وَخَيْرَ السّنَنِ سُنّةُ مُحَمّدٍ وَأَشْرَفَ الْحَدِيثِ ذِكْرُ اللّهِ وَأَحْسَنَ الْقَصَصِ هَذَا الْقُرْآنُ وَخَيْرَ الْأُمُورِ عَوَازِمُهَا وَشَرّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَشْرَفَ الْمَوْتِ قَتْلُ الشّهَدَاءِ وَأَعْمَى الْعَمَى الضّلَالَةُ بَعْدَ الْهُدَى وَخَيْرَ الْأَعْمَالِ مَا نَفَعَ وَخَيْرَ الْهُدَى مَا اُتّبِعَ وَشَرّ الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ وَالْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السّفْلَى وَمَا قَلّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمّا كَثُرَ وَأَلْهَى وَشَرّ الْمَعْذِرَةِ حِينَ يَحْضُرُ الْمَوْتُ وَشَرّ النّدَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ النّاسِ مَنْ لَا يَأْتِي الْجُمُعَةَ إلّا دُبُرًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَذْكُرُ اللّهَ إلّا هَجْرًا وَمِنْ أَعْظَمِ الْخَطَايَا اللّسَانُ الْكَذّابُ وَخَيْرُ الْغِنَى غِنَى النّفْسِ وَخَيْرُ الزّادِ التّقْوَى وَرَأْسُ الْحُكْمِ مَخَافَةُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَخَيْرُ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ الْيَقِينُ وَالِارْتِيَابُ مِنْ الْكُفْرِ وَالنّيَاحَةُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيّةِ وَالْغُلُولُ مِنْ جُثَا جَهَنّمَ وَالسّكْرُ كَيّ مِنْ النّارِ وَالشّعْرُ مِنْ إبْلِيسَ وَالْخَمْرُ جِمَاعُ الْإِثْمِ وَشَرّ الْمَأْكَلِ مَالُ الْيَتِيمُ وَالسّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَالشّقِيّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمّهِ وَإِنّمَا يَصِيرُ أَحَدُكُمْ إلَى مَوْضِعِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَالْأَمْرُ إلَى الْآخِرَةِ وَمَلَاكُ الْعَمَلِ خَوَاتِمُهُ وَشَرّ الرّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ وَكُلّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ وَسِبَابُ الْمُؤْمِنِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ وَأَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ وَحُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ وَمَنْ يَتَأَلّ عَلَى اللّهِ يُكَذّبْهُ وَمَنْ يَغْفِرْ يُغْفَرْ لَهُ وَمَنْ يَعْفُ يَعْفُ اللّهُ عَنْهُ وَمَنْ يَكْظِمْ الْغَيْظَ يَأْجُرْهُ اللّهُ وَمَنْ يَصْبِرْ عَلَى الرّزِيّةِ يُعَوّضُهُ اللّهُ وَمَنْ يَبْتَغِ السّمْعَةَ يُسَمّعْ اللّهُ بِهِ وَمَنْ يَتَصَبّرْ يُضْعِفْ اللّهُ لَهُ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ يُعَذّبْهُ اللّهُ ثُمّ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا.

.قِصّةُ رَجُلٍ مَرّ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُصَلّي فَدَعَا بِقَطْعِ أَثَرِهِ:

وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ نَزَلَ بِتَبُوكَ وَهُوَ حَاجّ فَإِذَا رَجُلٌ مُقْعَدٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَمْرِهِ قَالَ سَأُحَدّثُك حَدِيثًا فَلَا تُحَدّثْ بِهِ مَا سَمِعْت أَنّي حَيّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَزَلَ بِتَبُوكَ إلَى نَخْلَةٍ فَقَالَ هَذِهِ قِبْلَتُنَا ثُمّ صَلّى إلَيْهَا قَالَ فَأَقْبَلْتُ وَأَنَا غُلَامٌ أَسْعَى حَتّى مَرَرْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَقَالَ قَطَعَ صَلَاتَنَا قَطْعَ اللّهُ أَثَرَهُ قَالَ فَمَا قُمْتُ عَلَيْهِمَا إلَى يَوْمِي هَذَا ثُمّ سَاقَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَوْلًى لِيَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ عَن يَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ قَالَ رَأَيْت رَجُلًا بِتَبُوكَ مُقْعَدًا فَقَالَ مَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ يُصَلّي فَقَالَ اللّهُمّ اقْطَعْ أَثَرَهُ فَمَا مَشَيْتُ عَلَيْهِمَا بَعْدُ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَاَلّذِي قَبْلَهُ ضَعْفٌ.

.فَصْلٌ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الصّلَاتَيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ:

قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدّثَنَا اللّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشّمْسُ أَخّرَ الظّهْرَ حَتّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ فَيُصَلّيهِمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخّرَ الْمَغْرِبَ حَتّى يُصَلّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجّلَ الْعِشَاءَ فَصَلّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ وَقَالَ التّرْمِذِيّ: إذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشّمْسِ عَجّلَ الْعَصْرَ إلَى الظّهْرِ وَصَلّى الظّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا؛ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا وَقَالَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ: لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ سَمَاعًا مِنْ أَبِي الطّفَيْلِ.. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي حَدِيثِ أَبِي الطّفَيْلِ هَذَا: هُوَ حَدِيثٌ رُوَاتُهُ أَئِمّةٌ ثِقَاتٌ وَهُوَ شَاذّ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنُ لَا نَعْرِفُ لَهُ عِلّةٌ نُعَلّلُهُ بِهَا فَنَظَرْنَا فَإِذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ وَذَكَرَ عَنْ الْبُخَارِيّ: قُلْت لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ: مَعَ مَنْ كَتَبْتَ عَنْ اللّيْثِ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ؟ قَالَ كَتَبْتُهُ مَعَ خَالِدٍ الْمَدَائِنِيّ وَكَانَ خَالِدٌ الْمَدَائِنِيّ يُدْخِلُ الْأَحَادِيثَ عَلَى الشّيُوخِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَوْهِبٍ الرّمْلِيّ حَدّثَنَا مُفَضّلُ بْن فَضَالَةَ وَاللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا زَاغَتْ الشّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظّهْرِ وَالْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلَ ذَلِكَ إنْ غَابَتْ الشّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشّمْسُ أَخّرَ الْمَغْرِبَ حَتّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ: ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ ضَعّفَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَكَانَ لَا يُحَدّثُ عَنْهُ وَضَعّفَهُ النّسَائِيّ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزّارُ: لَمْ أَرَ أَحَدًا تَوَقّفَ عَنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَلَا اعْتَلّ عَلَيْهِ بِعِلّةٍ تُوجِبُ التّوَقّفَ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثُ الْمُفَضّلِ وَاللّيْثِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.

.فَصْلٌ فِي رُجُوعِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تَبُوكَ وَمَا هَمّ الْمُنَافِقُونَ بِهِ مِنْ الْكَيْدِ بِهِ وَعِصْمَةُ اللّهِ إيّاهُ:

ذَكَرَ أَبُو الْأُسُودِ فِي مَغَازِيهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ وَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ إلَى الْمَدِينَةِ حَتّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ الطّرِيق مَكَرَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَاسٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَتَآمَرُوا أَنْ يَطْرَحُوهُ مِنْ رَأْسِ عَقَبَةٍ فِي الطّرِيقِ فَلَمّا بَلَغُوا الْعَقَبَةَ أَرَادُوا أَنْ يَسْلُكُوهَا مَعَهُ فَلَمّا غَشِيَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرَ خَبَرَهُمْ فَقَالَ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَأْخُذَ بِبَطْنِ الْوَادِي فَإِنّهُ أَوْسَعُ لَكُمْ وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَقَبَةَ وَأَخَذَ النّاسُ بِبَطْنِ الْوَادِي إلّا النّفَرَ الّذِينَ هَمّوا بِالْمَكْرِ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا سُمِعُوا بِذَلِكَ اسْتَعَدّوا وَتَلَثّمُوا وَقَدْ هَمّوا بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَعَمّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَمَشَيَا مَعَهُ وَأَمَرَ عَمّارًا أَنْ يَأْخُذَ بِزِمَامِ النّاقَةِ وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ أَنْ يَسُوقَهَا فَبَيْنَا هُمْ يَسِيرُونَ إذْ سَمِعُوا وَكْزَةَ الْقَوْمِ مِنْ وَرَائِهِمْ قَدْ غَشَوْهُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ أَنْ يَرُدّهُمْ وَأَبْصَرَ حُذَيْفَةُ غَضَبَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجَعَ وَمَعَهُ مِحْجَنٌ وَاسْتَقْبَلَ وُجُوهَ رَوَاحِلِهِمْ فَضَرَبَهَا ضَرْبًا بِالْمِحْجَنِ وَأَبْصَرَ الْقَوْمَ وَهُمْ مُتَلَثّمُونَ وَلَا يَشْعُرُ إلّا أَنّ ذَلِكَ فِعْلُ الْمُسَافِرِ فَأَرْعَبَهُمْ اللّهُ سُبْحَانَهُ حِينَ أَبْصَرُوا حُذَيْفَةَ وَظَنّوا أَنّ مَكْرَهُمْ قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ فَأَسْرَعُوا حَتّى خَالَطُوا النّاسَ وَأَقْبَلَ حُذَيْفَةُ حَتّى أَدْرَكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا أَدْرَكَهُ قَالَ اضْرِبْ الرّاحِلَةَ يَا حُذَيْفَةُ وَامْشِ أَنْتَ يَا عَمّارُ فَأَسْرَعُوا حَتّى اسْتَوَوْا بِأَعْلَاهَا فَخَرَجُوا مِنْ الْعَقَبَةِ يَنْتَظِرُونَ النّاسَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحُذَيْفَةَ هَلْ عَرَفْتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الرّهْطِ أَوْ الرّكْبِ أَحَدًا؟ قَالَ حُذَيْفَةُ عَرَفْتُ رَاحِلَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَقَالَ كَانَتْ ظُلْمَةُ اللّيْلِ وَغَشِيَتْهُمْ وَهُمْ مُتَلَثّمُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا كَانَ شَأْنُ الرّكْبِ وَمَا أَرَادُوا؟ قَالُوا: لَا وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَإِنّهُمْ مَكَرُوا لِيَسِيرُوا مَعِي حَتّى إذَا اطّلَعْتُ فِي الْعَقَبَةِ طَرَحُونِي مِنْهَا قَالُوا: أَوَلَا تَأْمُرُ بِهِمْ يَا رَسُولَ اللّهِ إذًا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ قَالَ أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدّثَ النّاسُ وَيَقُولُوا: إنّ مُحَمّدًا قَدْ وَضَعَ يَدَهُ فِي أَصْحَابِهِ فَسَمّاهُمْ لَهُمَا وَقَالَ اُكْتُمَاهُمْ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذِهِ الْقِصّةِ إنّ اللّهَ قَدْ أَخْبَرَنِي بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَسَأُخْبِرُك بِهِمْ إنْ شَاءَ اللّهُ غَدًا عِنْدَ وَجْهِ الصّبْحِ فَانْطَلِقْ حَتّى إذَا أَصْبَحْتُ فَاجْمَعْهُمْ فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَ اُدْعُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي سَرْحٍ وَأَبَا خَاطِرٍ الْأَعْرَابِيّ وَعَامِرًا وَأَبَا عَامِرٍ وَالْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ وَهُوَ الّذِي قَالَ لَا نَنْتَهِي حَتّى نَرْمِيَ مُحَمّدًا مِنْ الْعَقَبَةِ اللّيْلَةَ وَإِنْ كَانَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ خَيْرًا مِنّا إنّا إذًا لَغَنَمٌ وَهُوَ الرّاعِي وَلَا عَقْلَ لَنَا وَهُوَ الْعَاقِلُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ مُجَمّعَ بْنَ حَارِثَةَ وَمُلَيْحًا التّيْمِيّ وَهُوَ الّذِي سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ وَارْتَدّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَانْطَلَقَ هَارِبًا فِي الْأَرْضِ فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ حِصْنَ بْنَ نُمَيْرٍ الّذِي أَغَارَ عَلَى تَمْرِ الصّدَقَةِ فَسَرَقَهُ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيْحَكَ مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ حَمَلَنِي عَلَيْهِ أَنّي ظَنَنْتُ أَنّ اللّهَ لَا يُطْلِعُك عَلَيْهِ فَأَمّا إذَا أَطْلَعَك اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلِمْته فَأَنَا أَشْهَدُ الْيَوْمَ أَنّك رَسُولُ اللّهِ وَإِنّي لَمْ أُؤْمِنْ بِك قَطّ قَبْلَ هَذِهِ السّاعَةِ فَأَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَثْرَتَهُ وَعَفَا عَنْهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ طُعَيْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عُيَيْنَةَ وَهُوَ الّذِي قَالَ لِأَصْحَابِهِ اسْهَرُوا هَذِهِ اللّيْلَةَ تَسْلَمُوا الدّهْرَ كُلّهُ فَوَاَللّهِ مَا لَكَمَ أَمْرٌ دُونَ أَنْ تَقْتُلُوا هَذَا الرّجُلَ فَدَعَاهُ فَقَالَ وَيْحَكَ مَا كَانَ يَنْفَعُكَ مِنْ قَتْلِي لَوْ أَنّي قُتِلْتُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ فَوَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا نَزَالُ بِخَيْرِ مَا أَعْطَاك اللّهُ النّصْرَ عَلَى عَدُوّك إنّمَا نَحْنُ بِاَللّهِ وَبِك فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ اُدْعُ مُرّةَ بْنَ الرّبِيعِ وَهُوَ الّذِي قَالَ نَقْتُلُ الْوَاحِدَ الْفَرْدَ فَيَكُونُ النّاسُ عَامّةً بِقَتْلِهِ مُطْمَئِنّينَ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ وَيْحَكَ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ الّذِي قُلْت؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كُنْتُ قُلْتُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إنّك لَعَالِمٌ بِهِ وَمَا قُلْتُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا الّذِينَ حَارَبُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِهِمْ وَمَنْطِقِهِمْ وَسِرّهِمْ وَعَلَانِيَتِهِمْ وَأَطْلَعَ اللّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيّهُ عَلَى ذَلِكَ بِعِلْمِهِ وَمَاتَ الِاثْنَا عَشَرَ مُنَافِقِينَ مُحَارِبِينَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزّ وَجَلّ {وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} [التّوْبَةُ 74] وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ رَأْسَهُمْ وَلَهُ بَنَوْا مَسْجِدَ الضّرَارِ وَهُوَ الّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ الرّاهِبُ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَاسِقَ وَهُوَ أَبُو حَنْظَلَةَ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ أَخْزَاهُ اللّهُ وَإِيّاهُمْ فَانْهَارَتْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ فِي نَارِ جَهَنّمَ.